حَدَّثَني مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ يحيى قالَ: حَدَّثَنا أَسَدُ بنُ موسى قالَ: حَدَّثَنا المُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنِ الحَسَنِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: « إِنَّكُم سَتَرَوْنَ ما تَعْرِفُون وما تُنْكِرُون، فَمَنْ أَنْكَرَ فقد بَرِئَ، ومَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ، ولكن مَنْ رَضِيَ وتَابَعَ. قالوا: يا رَسُولَ الله، ألاّ نَقْتُل فُجَّارَهُم؟ قالَ: لا، ما صَلُّوا »1 .
هذا الحديث من هذا الطريق لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الحسن تابعي، لكنه ثبت من طرق أخرى، وفي مسلم وفي غيره، وهذا كنموذج أو شاهد على أن الحديث قد لا يثبت له إسناده، ولكنه أصلا محفوظ الحديث، وسيأتينه بنفسه، فإذا جاء عن البصري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نقبل هذا؛ لأن الحسن تابعي، نقول: من حدّث الحسن؟ إن كان صحابيا قبلنا، وإن كان تابعيا نظرنا، والمرسل لا ينبني عليه الحكم، لكن بعض الآثار تكون أخبارا، ثم يثبت صدقها، فهو دليل على صدقها، قد تكون قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال الصحابة، وإنما الذي نتشدد فيه هو الأحكام، سواء أحكام الدنيا أو أحكام الآخرة، هذا لا بد من ثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهنا يقول عليه الصلاة والسلام وهو ثابت عنه: « إنكم سترون ما تعرفون وما تنكرون »1 كما قال عن بعض الدعاة عليه الصلاة والسلام: « يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هدي، تعرف منهم وتنكر »2 يعني مرة كلام زين، ومرة كلام شين، تعرف وتنكر، ما يأخذهم شيئا، كما سيأتي الآن الآثر؛ الشيء الخالص ليس تجده، يقول ابن وضاح الشيء: الخالص الصافي ما تلقاه، تعرف وتنكر، إلا عند ورثة الأنبياء، الذين كانوا لهذه الأمة خلفا من نبيهم - صلى الله عليه وسلم -.
أيضا ستعرفون وتنكرون من الحكام والسلاطين، كما قال عليه والسلام: « هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ »3 يأتي أشياء وأشياء، فقال عليه الصلاة والسلام: « فمن أنكر - بالطرق التي شرعها عليه الصلاة والسلام - فقد برئ، ومن كره فقد سلم »4 أيضا لأن الإنسان قد لا يستطيع ينكر، كما قال الصحابة: يجب عليك أن تنكر ما لم تخف سوطا ولا عصا، إذا خفت ضربا أو فتنة عليك لا تنكر، ما يجب عليك، إلا أن تريد أن تأخذ بالعزيمة ولا ينبني على فعلك فتنة، يعني شخص كما قال عليه الصلاة والسلام: « أفضل الشهداء »5 حمزة«، ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله »5 إذا كان الشخص لا ينبني على فعله أي شيء إلا شيئا يتعلق به هو فقط، وذهب بنفسه، وهانت نفسه عنده في ذات الله، وأمر ونهى، ثم ضرب أو سجن أو قتل فهذا ما يثرب عليه، يقال: هذا ركب العزيمة، أما إذا كان فعله ينبني عليه أشياء تضر بالناس، أما مثلا يهيج العامة، أو يكون معه مجموعة ويخرجون أو كذا، فهذا أصلا ما يحمد فعله، ولهذا ذكر العلماء الفرق بين أن إبراهيم عليه السلام كسر الأصنام ونبينا - صلى الله عليه وسلم - لم يكسر الأصنام، إبراهيم عليه السلام الخليل إمام الحنفاء أنكر بيده، كسر الأصنام، والنبي عليه الصلاة والسلام وهو أفضل وأعظم كان في مكة ثلاث عشرة سنة، والكعبة حولها ثلاثمائة وستون صنما، فما مد يده عليها عليه الصلاة والسلام، ولا ثبت هذا، وإنما انتظر حتى جاء الله بالدولة والسلطة والقوة، فلما دخل في فتح مكة كسرها.
يقول بعض أهل العلم ذكروا أسبابا كثيرة، لكن منها أنه ما فصل هنا الآن أن إبراهيم كان وحده، في صحيح البخاري أنه قال لسارة في قصة النمرود قال: إنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، فهذه إحدى كذباته الثلاثة، لما قال له النمرود من هذه قال: أختي، يعني تورية، فقال لسارة: إنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، ويدل هذا القرآن، قول الله عز وجل: ﴿ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ﴾6 ابن أخيه، هو اللي آمن له، وأما قول الله عز وجل في سورة الممتحنة: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾7 فإن من تأويلاته عنه السلف، والذين معه من الأنبياء، يعني الذين كانوا معه في النبوة، فالمقصود أن إبراهيم تكسير الأصنام ما كان يترتب عليه إلا شيء يضره هو، يحرق بالنار، وهانت نفسه عنده في ذات الله، والنبي عليه الصلاة والسلام كان معه أصحاب، وكان معه ناس آمنوا به، فلو أن أحدا منهم أنكر بيده، أضر هذا بالجميع؛ فلذلك أمر بالإعراض والصفح والصبر والهجرة حتى مكن الله.
فالمقصوم أن الذي ينكر إذا كان إنكاره بيده أو بلسانه، خاصة على من له سطوة أو سلطان، إن كان لا يؤثر على غيره، مثلا لا يضر بأهل العلم وأهل الدعوة وأهل الجهاد لا يضر بهم فعل هذا، وهو يعرف أنه لا يجب عليه هذا الشيء، ولكنه ركب العزيمة، إذا خاف سوطا أو عصا أو ضررا لا يجب عليه، لكنه أراد العزيمة فهذا يقال: إن شاء الله إنه على خير، أما إذا كان فعله يترتب عليه فتنة فليس على خير، ثم قالوا: يا رسول الله، ألا نقتل فجارهم؟ يعني إذا كان السلاطين نرى منهم ونعرف وننكر ألا نقتل فجارهم، فقال عليه الصلاة والسلام: « لا، ما صلوا »5 جعل حاجزا بين الإنكار عليهم باليد أو القيام عليهم، وهو التوحيد والصلاة؛ ما دام مسلما مصليا ما لك عليه سلطة، اعتبر أنه مسلم منافق، لكن له حكم الإسلام في الظاهر.
ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام، كل هذه الآثار تفيد من شيء وهو قوله عليه الصلاة والسلام عن الفرقة الناجية: « من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي »8 وقال: « هم الجماعة »5 وقال هم يعني فيها أحاديث كثيرة، قال: هم الفرقة الناجية، ربط النجاة بأن تكون طريقتك وهمك واجتهادك أن تكون على ما كان عليه عليه الصلاة والسلام وأصحابه، وكما قال أبو العالية تقدم معنا، قبل أن يقتل عثمان أيضا، فإنه لما قتل عثمان نبغت الفتن والبدع نعم.
1 : مسلم : الإمارة (1854) , والترمذي : الفتن (2265) , وأبو داود : السنة (4760) , وأحمد (6/295). 2 : البخاري : المناقب (3606) , ومسلم : الإمارة (1847). 3 : مسلم : الإمارة (1852) , والنسائي : تحريم الدم (4020) , وأبو داود : السنة (4762) , وأحمد (4/341). 4 : مسلم : الإمارة (1854) , والترمذي : الفتن (2265) , وأبو داود : السنة (4760) , وأحمد (6/295). 5 : 6 : سورة العنكبوت (سورة رقم: 29)؛ آية رقم:26 7 : سورة الممتحنة (سورة رقم: 60)؛ آية رقم:4 8 : الترمذي : الإيمان (2641).
|