أخبرني أبو أيّوبَ عن سحنون عَنِ ابنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحمنِ بنِ يَزيدَ عَنْ عُتْبَةَ بنِ عَبْدِ الله قالَ: قالَ عَبْدُ الله بنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: ما أُشَبِّهُ عُلَمَاءَ زَمَانِكُم إلاّ كَرَجُلٍ رعى غَنَمَهُ الحَمْضَ، حتى إذا أُرِيحت بُطونُها وانْتَفَخَت أَحِقاؤُها اعتام أَفُضلها في نَفْسِهِ، فإذا هي لا تُنْقي، وما بَقِيَ مِنَ الدُّنيا إلا كالشَّيء شُرِبَ صَفْوُهُ وبَقِيَ كَدَرُهُ.
نعم, النصوص بهذا المثل الذي ذكره ابن مسعود وذكر الشقيق ابن سلمة أبو وائل الغنم إذا رأت الحمض, والحمض هو نبات في البادية أو مجموعة نباتات كلها تسمى حمض, ومنها الرمث, ومنها غيره من النباتات, هذا الحمض إذا أكلته الغنم وشربت بعده الماء تنتفخ, الغنم تنتفخ لكنه سمن كاذب، يعني هذا الحمض لا به شحما، وإنما من يراها يظن أنها سمان, وهذا شيكي أي في خصائص هذا النبات, من يراها يظن أنها سمان, ثم لو أراد أن يذبح منها شاة ما وجد فيها شاة سمينة, قلما أخذ منها.
فيقصد بالمثل أن السمن الكاذب هذا الذي يضرب عبد الله بن مسعود في الغنم يقول: ما أشبه قراء زمانك وعلماء زمانك إلا بهذه الغنم, تظن أنهم علم وعندهم خشية وعندهم تقوى, وعندهم حقيقة في العلم, وترى السمن الظاهر عليهم, يعني زي أهل العلم وكلامهم في العلم, وتظن أنهم سمان, بمعنى تظن أنهم قد حصلوا حقيقة العلم وحاشية من العلم.
ثم كلما فتشت واحدا منهم وجدت أنه لا يلقي لا يدلك على الحق, لا تجد شيئا خالصا, وهذا المثل واضح, فهذا قصده, قصده يعني أن الناس تغيروا ليسوا مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم.
فأصبحوا مثل الشيء الذي يرى أنه سمين وليس بسمين, والجملة الأخيرة من كلام عبد الله أخطر, قالوا: وما بقي من الدنيا إلا كالشيء شرب صفوه وبقي كدره.
وهذا حق يعني يقول: القادم أعظم, فإن صفو الدنيا وخلاصة أهل الإسلام كما شبه ابن مسعود مثل الميزاب, الميزاب الذي يكون فوق البيوت, أول ما يأتيك منه إذا جاء المطر الماء الصافي, ثم إذا أمطر الماء الصافي بقي الكدر وهو الوسخ الذي يكون في السطوح ينزل, فيشبهونه بهذا.
والله عز وجل لما ذكر المقربين من عباده قال: ﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ ﴾1 من أراد أن يكون من القليل فليعمل بعمل الثلة, من أراد أن يكون من القليل الآخرين فليعمل بعمل الثلة الذين زكاهم الله عز وجل, هذا هو المقصود, يعني أصبح ما بقي من الدنيا كالشيء الذي شرب صفوه وبقي كدره. والله المستعان. نعم.
1 : سورة الواقعة (سورة رقم: 56)؛ آية رقم:13 - 14
|