قال مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ: قالَ زهيرُ بنُ عبادٍ: يعني سُفيانَ: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ فيُدخِلُونَ في خلال ذلك الأهواءَ المُحْدَثَةَ, فَيُحِلُّونَ لَهُمُ الحَرَامَ ويُشَكِّكُونَهُم في الفَضْلِ والصَّبْرِ والسُّنَّةِ، ويُبْطِلُون فَضْلَ الزُّهْدِ في الدُّنيا, ويَأْمُرونهم بالإِقْبَالِ على طلبِ الدُّنيا وهي رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ.
نعم, يعني معنى كلام سفيان كيف تميز هؤلاء الشياطين إللي يحدثون الناس في المساجد قد يكونوا شياطين حقيقة, يعني تمثلوا في صورة إنس, وقد يقوم بهذا العمل وكلاؤهم, لهم وكلاء من شياطين الإنس, كما قال الله تعالى: ﴿ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾1 فكيف تعرفهم؟ قالوا: إنهم يجلسون يعلمون الناس، ثم يدخلون في خلال كلامهم الأهواء المحدثة, هذا إللي يميز إذا كان هذا إلي يتكلم يأتيه وحي من الشيطان أو يبين وحي الله, لأن الوحي وحيان؛ وحي من الله نزل به جبرائيل ووحي الشياطين ﴿ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ﴾2 .
فإذا كان يدخل في تعليمه الأهواء المحدثة التي تصد الناس عن السنة وعن الوحي, ويشبه عليهم دينهم, ويحلون لهم الحرام, والشبهات يساعدونهم على الوقوع فيها, ويشككونهم في السنة, ويشككونهم في الفضل في الصبر, ويبطلون فضل الزهد في الدنيا, ويأمرونهم بالإقبال على طلب الدنيا, وطلب الدنيا رأس كل خطيئة, اتقوا الدنيا واتقوا النساء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, طلب الدنيا رأس كل خطيئة, كما قال السلف, إن الشر جمع في بيت وجعل لمفتاح البيت حب الدنيا.
فإذا كان في القلب حب الدنيا فإنه يكون رأس كل خطيئة, يجر لك شرا عظيما, وإذا أن الله عز وجل عصم العبد, وأصبح لا يهتم بالدنيا ليست في قلبه, أقبل إليه الخير من كل جانب -نسأل الله من فضله- ولهذا يقول بعض المتقدمين يمثل مثلا يقول: لو أن الشخص مثلا عنده لحم، وجاءه كلب، فأخذ ينهر هذا الكلب، ولكن الكلب يعود, وينهر ويعود ما دام اللحم عندك، فإن الكلب سيعود عليك؛ لأنه يرى ما يريد.
وهكذا الشيطان إذا عرف من قلبك إنك تحب الدنيا حتى لو طردته يعود , حتى لو جاهدته يعود؛ لأنه يعرف من قلبك إنك فيه طعام له, طعام الشيطان هو الدنيا التي يصطاد بها الناس, فهو مثل الكلب الذي وجد عندك لحم حتى لو قذفته لو حدفته يعود إليك, وشخص آخر ليس عنده طعام, فمنذ أن يأتيه الكلب ينهره يهرب الكلب لا يعود إليه, ماذا يريد عنده؟ ما عنده شيء.
هكذا العبد المؤمن التقي والذي ليس في قلبه حب للدنيا, ومثلوا لذلك بعمر بن الخطاب شم الشيطان قلب عمر فوجد ما فيه شيء من أمر الدنيا, فأصبح إذا رآه من طريق ترك الطريق كله لعمر وذهب من طريق آخر, ما يمشي ما يريد, هذا الرجل ليس بقلبه طعم للشيطان أو شيء, هذا معنى كلامه قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إيه يا ابن الخطاب والله ما رآك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك »3 رضي الله عنه وأرضاه. نعم.
1 : سورة الأنعام (سورة رقم: 6)؛ آية رقم:112 2 : سورة الأنعام (سورة رقم: 6)؛ آية رقم:121 3 : البخاري : الأدب (6085) , ومسلم : فضائل الصحابة (2397) , وأحمد (1/171).
|