حَدَّثَني سليمانُ عن سُحْنُونَ عن ابن وَهْبٍ قالَ: أخبرني سَعِيدُ بنُ أبي أَيُّوبَ عن أبي هَانِئٍ الخَوْلاني عن مُسْلِمِ بنِ يَسَارٍ عن أبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: « سَيَكُونُ في آخِرِ الزَّمَانِ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يُحَدِّثُونكم بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُم ولا آباؤُكم، فَإِيَّاكُم وإيَّاهُم »1 .
نعم, هذا في مسلم الحديث هذا « سيكون في آخر الزمان ناس من أمتي يحدثونكم بأحاديث لم تسمعوا بها أنتم ولا آباؤكم »2 يعني لا يقصد الآباء والقريبين ولا من قبلهم ولا من قبلهم يعني يأتون بأشياء غرائب مشهرات, يرفع الناس إليها أبصارهم يأتون بغرائب من القول لم تسمعوا بها أنتم ولا آباؤكم, فإياكم وإياهم.
إياكم وإياهم؛ لأن الدين إنما يطلب الشيء المسلوك, في الدين خاصة يطلب الشيء المسلوك, يطلب السنة الماضية التي عليها من قبلنا من الصالحين إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, الشيء الذي لم نسمع به نحن ولا آباؤنا ولا من قبلهم ولا من قبلهم ليس مسلوكا هذا لا يراد, هذا ابتداع في الدين, معناه أنه أمر محدث.
وأما في الدنيا يسلك الطريق المسلوك وغير المسلوك, كل يوم يخترعون أشياء تسهل عليهم أمور دنياهم, هذا ما فيه بأس أنتم أعلم بأمور دنياكم, أما في الدين لا بد أن يكون الطريق مسلوكا؛ إنك لا تزال على الطريق ما دمت على الأثر, نسأل الله من فضله, فإذا جاء شخص يحدثكم بأشياء لا تعرفونها وليست في الكتب وليست من أمر الدين, وكما قال معاذ رضي الله عنه: يرفع الناس ليصاروا إلى أشياء مشهرة, غرائب قيل لمعاذ: إنهم يحدثون بغرائب وغيرهم من السلف, قال من الغرائب نفر من الغرائب نفر. ما نريد الغرائب نريد شيء مر عليه من قبلنا.
وفيه أيضا من الفوائد أن الناس إذا كانوا على سنة وعلى قول صحيح, له قول صحيح مستقر عليه، فإنه ليس من المصلحة التشويش عليهم, ليس من المصلحة التشويش عليهم حتى تجتمع أمورهم, ولذلك لما وضع مالك الموطأ، قال أبو جعفر المنصور للإمام مالك: إني عزمت عزما. قال: ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: عزمت أن أنسخ منه نسخا وأرسله إلى الأمصار وأفعل كما فعل عثمان رضي الله عنه لما أحرق المصاحف, وألزم الناس كلهم بالعمل بما في الموطأ حتى تجتمع كلمة المسلمين, هذا كلام أبو جعفر المنصور.
فقال الإمام مالك صاحب الكتاب: لا تفعل يا أمير المؤمنين, فإن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قد تفرقوا بالأمصار, منهم إلي في الشام ومنهم إللي في مصر ومنهم، إلي في العراق, وكل قوم أخذوا بما أفتاهم الصحابة إللي عندهم والعلماء إلي عندهم , وإنهم إذا أجبرناهم على شيء لا يريدون يكون فتنة, فدعهم وما اختاروا لأنفسهم مادام الأمر في الفروع ما دام في الفروع, وكان مالك يفعل هذا, لما كان مالك يحدث أناسا في المدينة بأحاديث ويفتي جاء رجل من أهل العراق وقال للي في الحلقة, قال ابن مسعود في العراق لا يفتي بهذا, فأمر به وأتي به إليه, فقال: يا ابن أخي إذا أتيت قوما قد اجتمعوا على أمر معروف من الدين, وعندك قول آخر فلا تحدثهم بما يكرهون فترى منهم ما تكره.
وهذا الآن حق، هذا الذي يشوش على الناس إنهم على أمور صحيحة فيها أدلة قوية, فيشوش عليهم يشوش عليهم, يؤتى لهم بأشياء لا يعرفونها, وإن كان الأخرى لها أدلة, هذا من المصلحة أو تكلم عنها أهل العلم, لكن هذا يعني من الاستشهادات الحديثة إلي أصل الحديث الأشياء الغرائب التي لم تسمعوا فيها أنتم ولا آباؤكم. نعم.
1 : مسلم : مقدمة (6) , وأحمد (2/349). 2 : مسلم : مقدمة (7) , وأحمد (2/321).
|