حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ سَعيدٍ قالَ: حَدَّثَنا أسدُ بنُ موسى عن إسْمَاعيلَ بنِ عيَّاشٍ عن عَبْدِ الرَّحمنِ بنِ زِيَادٍ بنِ أَنْعُمٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ المَعَافِرِيِّ عَنْ عَبْدِ الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: « لَيَأتِيَنَّ على أُمَّتي ما أتى على بَنِي إسْرَائِيلَ مِثْلٌ بِمِثْلِ حَذْوَ النَّعْلِ بالنَّعْلِ، حتى لو أَنَّ فيهم مَنْ أتى أُمَّهُ عَلانِيَةً كانَ في أُمَّتي مَنْ يَصْنَعُ ذلك. وإنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ تَفَرَّقُوا على ثنتين وسبعينَ مِلَّةٍ، وستفترقُ أُمَّتي على ثلاثٍ وسبعينَ فِرْقَةٍ، كُلُّها في النَّارِ إلاّ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ. قالوا: وأيُّ مِلَّةٍ تنفلتُ مِنَ النَّارِ؟ قالَ: ما أنا عليهِ وأصحابي »1 .
نعم, أي ملة تنفلت من النار؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي. انظروا في التركيز على الصحابة رضي الله عنهم, هم الامتداد الصحيح لفعل النبي صلى الله عليه وسلم, وهم خير من يفسر فعله, وهم خير من يكمل, وهم خير من يقتدى بهم, ولذلك أوصيكم جميعا وأوصي نفسي بقراءة سير الصحابة, والإكثار من ذلك, قراءة سيرهم رضي الله عنهم، السير عن طريق كتب السنن وعن طريق ما ألف في السير, ستجد السيرة متكاملة, وتجد أن الصحابي عمله أكثر من قوله.
تجده مثلا غزا, تصدق, صلى, صام, قام الليل, تهجد, أحسن إلى الناس, وصل رحمه هكذا, أما الكلام يندر أن تسجل لهم كلام, وكلما -كما تقدم اليوم في الصباح- بعد عهد قوم بنبيهم كلما كان أحسن لقولهم وأسوأ لفعلهم, وهم كانوا أوثق الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم, فكانت أفعالهم حسنة وأقوالهم قليلة, وإذا تكلموا تكلموا بالنور.
فأنا أوصيكم الشخص الذي يكثر من قراءة سير الصحابة يعطيه الله هذا النور, ويعرف ماذا كان القوم, ويعرف أن من بعدهم لن يلحقوا بهم, ولن يلحقوا غبارهم حتى, إذا قرأ سير العلماء تجد تركيز على طلبه العلم في الغالب وذهابه في العلم وأخذه, وأحيانا يشار إلى نوع آخر من العبادة, أما الصحابة فهم متكاملين في عملهم, انظر إلى أبي بكر رض الله عنه الصديق الأكبر هذا الذي اتسع لكل أعمال الخير, يعني بعد صلاة الفجر يقول النبي صلى الله عليه وسلم مفاجأة هكذا بدون سابق خبر: « من أصبح منكم اليوم صائما؟ فيقول الصديق: أنا. ويقول: من تصدق منكم اليوم على مسكين؟ فيقول الصديق: أنا. ويقول: من عاد منكم اليوم مريضا؟ فيقول الصديق: أنا. ويقول: من اتبع اليوم منكم جنازة؟ فيقول الصديق: أنا »2 وهذا وهم في صلاة الفجر.
انظر كيف هم يجتهدون في الأعمال بدون تكلف, كما يقولون عنهم:
ما يتكلف, ما في ذلك تلطع وإنما عرفوا أنهم خلقوا للعبادة, فانظر كيف إلى هذه الدرجة يعني المجاهدة في العمل الصالح, ولذلك لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أبواب الجنة ثمانية, وكل من عرف بعبادة يدعى من الباب الخاص بها.
فقال الصديق: يا رسول الله, هل رجل يدعى من هذه الأبواب الثمانية كلها, كل ملائكة باب ينادونه ويرحبون به؛ لأنه يعني أصبح علم في كل خير, فقال: نعم وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر, قال لما علم عليه الصلاة والسلام من أن أبا بكر اتسع لأعمال الخير كلها, وهو أشبه الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم, تقول خديجة عن النبي صلى الله عليه وسلم, لما قال: إني خشيت على نفسي, تقول: والله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك تحمل الكل, وتقري الضيف, وتكسب المعدوم, وتعين على نوائب الدهر.
وفي الصحيح لما خرج أبو بكر أراد أن يهاجر من مكة ولقي ابن الدغنة في الطريق قال: والله مثلك يا أبا بكر لا يخرج من بلده, إنك تقري الضيف, وتحمل الكل, وتكسب المعدوم, وتعين على نوائب الدهر, تشابه فعله مع فعل النبي صلى الله عليه وسلم, تجد أعمال كثيرة يفعلونها, لما مات النبي صلى الله عليه وسلم يقول أبو بكر لعمر: يا عمر قم بنا نزور أم أيمن كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها. انظر من يطرأ على باله هذا الفعل من الخير! ثم لما ذهبوا إليها أبكتهم بكت وأبكتهم رضي الله عنهم أجمعين.
علي رضي الله عنه يحافظ على الورد الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم, قالوا: ما تركته ولا ليلة؟ قال: ولا ليلة. قالوا: لا صفين قال: ولا ليلة صفين.
المقصود أيها الإخوة تجدون أعمالا عظيمة لهؤلاء الصحابة, السخاء المنقطع النظير, أبو طلحة يتصدق ببيرحاء في قبلة المسجد, فيها قرابة ستمائة نخلة, وفيها ماء طيب, وأحسن أحسن أماكن المدينة في قمة المسجد النبوي, لما سمع آية واحدة ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾3 قال: يا رسول الله إني أرى الله يستقرضنا, وإن أحب مالي بيرحاء فهو صدقة لله, أرجو بره ...... يا رسول الله, فضعها حديث شئت. فقال: أرى أن تضعها في الأقربين. قال أنس كما في البخاري فقسمها بين حسان بن ثابت وأبي بن كعب, كل من بني النجار, ما يجتمعون مع أبي طلحة إلا في الجد السادس والسابع قسمها بينهم لحاجتهم, يخرج هكذا من ستمائة نخلة بآية, حتى تنظروا أنه لن يدرك أحد فضل الصحابة.
وكلما تعمق الإنسان في سيرهم وأصبح كل وقت يقرأ في سيرهم وفيما هم فيه من الخير, أقل شيء يخرج به أن يحبهم, ويقول أنس: والله ما فرحنا بحديث بعد الإسلام كفرحنا بحديث « المرء مع من أحب »4 .
ويقول أنس: فوالله إني لأحب رسول الله وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم, وإن لم أعمل بأعمالهم, ما أطيق أعمالهم لكن أرجو ببركة هذا الحديث والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى أن أكون معهم, فهذا معنى قوله: ما أنا عليه وأصحابي. هم أبر الأمة قلوبا وأعمقهم علما وأقلهم تكلفا, ويعطوا كثيرا من الأعمال وقليلا من القول, ولذلك يقول ابن مسعود لأصحابه في الكوفة يقول: أنتم أكثر عبادة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, ولكنهم أفضل منكم, يقول: أما الكثرة في النية أنتم أكثر لكنهم أفضل منكم, فقالوا: لما يا أبا عبد الرحمن؟ قال: لأنهم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة, عندهم هذه الأشياء في قلوبهم, أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة رضي الله عنهم أجمعين. نسأل الله أن يرزقنا محبتهم. نعم.
1 : الترمذي : الإيمان (2641). 2 : مسلم : الزكاة (1028). 3 : سورة آل عمران (سورة رقم: 3)؛ آية رقم:92 4 : البخاري : الأدب (6168) , ومسلم : البر والصلة والآداب (2641) , وأحمد (4/405).
|