حَدَّثَنا أسدٌ قالَ: حَدَّثَنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَيَّاشٍ، عن عُمَرَ بنِ عَمْرٍو الرُّعَيْنِيُّ، عن كَعْبِ الأَحْبَارِ أنه كانَ يقولُ: إنَّ للهِ ملائكةً يَقُومُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ عِنْدَ كُلِّ شَارِقٍ يُرْسِلُهم فيما يُريدُ مِنْ أَمْرِهِ، منهم ملائكةٌ يَقُولُ لَهُم: اهْبِطُوا إلى الأرضِ، فَسِموا في وَجْهِ كُلِّ عَبْدٍ من عِبادي، يَكْبُر في صَدْرِهِ ما يَرَى مِمَّا لا يستطيعُ تَغييرَهُ، لِكَيْمَا إذا نَزَلَتْ عُقوبتي نَجَّيتُهُ بِرَحْمَتِي.
نعم. هذا حق هذا من كعب بن الأحبار حق، قد يكون من الكتب السابقة، ويدل عليه المعنى، إن الله عز وجل يقول للملائكة: اهبطوا واجعلوا سمة وعلامة في وجه كل عبد من عبادي يكبر في صدره ما يرى مما لا يستطيع تغييره، لا يستطيع أن يغير، لكنه يكبر في صدره، ينكر، يبغض هذا الشيء، يشمئز منه، حتى إذا نزلت العقوبة ينجو، وهذا يقوي القول الذي قاله بعض السلف عن أهل القرية الثلاثة، الأصناف الثلاثة في القرية، قال تعالى: ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾1 الآيات.
فيقول ابن عباس: ليت شعري ذكر الله أنهم أصناف ثلاثة: صنف يفعل الخطيئة، وصنف أنكر، وصنف صمت، وإن كان يعلم إنهم على باطل سكت، قال: فالذين فعلوا الخطيئة عذبوا، مسخوا قردة وخنازير، والذين أنكروا نجوا، قال تعالى: ﴿ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ ﴾2 والذين سكتوا سكت عنهم، قال: ليت شعري، هل عذبوا أو نجوا؟ هؤلاء الذين يقولون: ﴿ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ﴾3 يقول: يا ليت شعري، سكت عنهم هل هم من الصنف الأول أو من الصنف الثاني؟ هل عذبوا أو نجوا، فبعض السلف يقول: إنهم نجوا، من هذه الآثار أنه يكبر عليه هذا وأنهم يقولون: ﴿ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ﴾3 يعني: يدل على أنهم على باطل، وبعضهم يقول: لا، إن الله خص بالنجاة الذين ينهون عن السوء، والله أعلم، لكن السكوت عنهم أيضا شديد، إنهم سكتوا فسكت عنهم، الجزاء من جنس العمل، وهؤلاء نسأل الله العافية الذين أنكروا نهوهم، منعهم الله من الصيد يوم السبت، لحكمة يعلمها الله، وكانوا يصيدوهم بالحيل، فنهوهم فلم ينتهوا، فوضعوا بينهم سورا واعتزلوهم، هذه مجانبة فعل أهل المنكر حال فعلهم المنكر، فكانوا يرونهم يذهبون إلى البحر، ويذهبون ويأتون وهم في مكانهم، ففي يوم افتقدوهم، ما في أحد يذهب إلى البحر ولا يأتي، اليوم الثاني ما في أحد يذهب إلى البحر ولا يأتي، فاستعجلوا فطلعوا فوق السور فإذا هم قردة وخنازير، نسأل الله العافية والسلامة، كلهم قردة وخنازير، يعرفون بسيماهم، هذا فلان وهذا فلان وهذا فلان، لكنه على شكل قرد أو خنزير، فكانوا يقولون: يا فلان أنت فلان؟ فيشير برأسه ودموعه تمشي على خديه، نسأل الله العافية، مسخوا كلهم قردة وخنازير؛ لأنهم لماذا؟ ليس يفعلون منكر يتحايلون على الله.
وإخواني هذه عاقبة الحيل، الذي يأكل الربا ويدمن بالربا أهون من اللي يتحايل على الله ويتذاكى، كما قال بعض السلف: كأن الله أمامهم صبي من الصبيان يضحكون عليه، يضعون صيغا وعقودا وبه ربا صحيح أو قمارا صحيحا، مثل التأمين ثم يؤتى بالحيل، هذا اللي مسخوا قردة وخنازير، نسأل الله العافية والسلامة، فالمقصود مثل هذا؛ نعم.
1 : سورة الأعراف (سورة رقم: 7)؛ آية رقم:163 - 166 2 : سورة الأعراف (سورة رقم: 7)؛ آية رقم:165 3 : سورة الأعراف (سورة رقم: 7)؛ آية رقم:164
|